ذلك ، وإلهام الإيمان في أصله أدنى من الإلهام إلى المؤمن كما (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ ..) (٢٨ : ٧) إذ كان أفضل وأعلى من وحي الإلهام إلى الحواريين. ولقد كان ذلك الإيحاء إليهم :
(إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(١١٢) :
فلقد أوحى الله إليهم أن آمنوا عند هذه القالة الغائلة فقالوا (آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) وعلّه بعد سابق الآيات الرسولية للمسيح (ع).
وترى الموحى إليه بالرسالة يقول لمحور الرسالة (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) شكا في استطاعة الله ، وهتكا في التعبير عن الله ب «ربّك» دون «الرب ـ أو ـ ربنا ـ أو ـ رب العالمين» فكان جوابهم (اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) حيث هددوا توبيخا بعدم الإيمان الصالح لحدّ اللّاإيمان.
وتوجيه الآية بما يعارض نصها قبيح ، مثل «هل تستطيع ربك» (١) زعما أنها تعني هل تستطيع أن تطلب من ربك أو «هل يطيعك ربك» (٢) سنادا لهما إلى معصوم ، ذلك تزييف للثقل الأكبر فرية عليه بالثقل الأصغر ، ولا سيما في الآخر فإنه يجعل الله في طوع عبده!.
وكل ذلك للحفاظ على زعم رسالتهم ، فقد أولوا الاستطاعة بمعنى الإطاعة ، والإطاعة بمعنى الطوع ، والطوع بمعنى الرضا ، سلسلة من
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٤٦ ـ اخرج الحاكم وصححه الطبراني وابن مردويه عن عبد الرحمن بن غنم قال سألت معاذ بن جبل عن قول الحواريين : هل يستطيع ربك أو تستطيع ربّك؟ فقال : اقرأني رسول الله (ص) هل تستطيع ربّك.
(٢) المصدر اخرج ابن أبي حاتم عن عامر الشعبي ان عليا (ع) كان يقرءها : هل يستطيع ربك ، قال : هل يطيعك ربك ، ومثله عن السدي.