وهنا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تستجيش القلوب المؤمنة حسب درجات الإيمان ، وأن الانتهاء عن الخمر وأخواتها هو قضية الإيمان ، مما يوحي أن اقترافها خروج عن الإيمان ، كما وأن قرن «الأنصاب» وهي للمشركين بأخواتها يوحي بأنها كلها في صف الإشراك بالله ، مهما اختلفت من الناحية العقيدية والعملية ، فهناك عقيدة الإشراك وفي الثالوث الباقية عملية الإشراك ، وقد جمعت كلها بأحكام (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ...)
ثم «رجس» ترجس الخمر ذاتيا وعمليا ، شربا وسواه من محاولات فيها تقريبا وتقديما لشربها ، كما وترجس الثلاثة الأخرى ، فالميسر رجس في نفسه ورجس في الأموال المستفادة منه ، ورجس فيما يتقامر به ، فهو ثالوث من الرجس! والأنصاب رجس في أصلها وهي النّصب لأنها أوثان : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) ورجس فيما ذبح عليها : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) والأزلام رجس في الاستقسام بها وفي المستقسم بها ، ثم وهي (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ).
وترى «رجس» في الخمر دليل نجاستها كسائر النجاسات العينية؟ ورجس الميسر لا يعني نجاسة آلات القمار ولا نجاسة المقامرين ، إنما هو نفس الميسر رجاسة عملية تنجس الأرواح والمجتمعات!.
والرجس لغويا هو كل ما استقذر من عمل وأصله من الرّجس وهو الصوت الشديد ، وسحاب رجاس إذا كان شديد الصوت بالرعد ، فالرّجس ـ إذا ـ في مثل الخمر والميسر والأنصاب والأزلام هو العمل القبيح الذي فيه رعد القباحة صاعقة والوقاحة ، وليس هكذا أي نجس ظاهري في مجرد مسّه ، كما وأن (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) يؤكد ذلك القبح الوقيح.
ثم وكيف تعني «رجس» تلك النجاسة الجسمية المتعدية الخبيثة وقد عد الله المنافقين من الرجس : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ