منه النجاسة الظاهرية إلى النفسية ـ يختص بعبادة الأوثان والطواغيت ، وقد قوبل كفار أهل الكتاب بالمشركين في آية البينة : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ ..) (٩٨ : ١) ، فقد بيّنت آية البينة أن المعني من «المشركين» في طليق إطلاقها هم الوثنيون.
ثم ولو صدقنا أنهم تشملهم آية نجاسة المشركين ، فآية المائدة هذه ناسخة لها بالنسبة لأهل الكتاب ككل.
والقول بأن آية المائدة منسوخة بآية التوبة مردود بأن المائدة هي آخر ما نزلت ، ناسخة غير منسوخة ، كما القول إن آية التوبة تخصص آية المائدة بالموحدين من الكتابيين.
فإن فاصل العمل بآية التوبة مانع عن التخصيص ، ولو كان تخصيص فإنما هو من آية المائدة تخصيصا لآية التوبة بالمشركين غير الكتابيين.
إن قلت إن بينهما عموما من وجه فقد تلتقيان في الكتابي المشرك وتفترقان في المشرك غير الكتابي فتنجسه آية التوبة ، والكتابي غير المشرك حيث تطهره آية المائدة ، ويبقى ملتقاهما وهو الكتابي المشرك بين عموم الآيتين إثباتا لطهارته بآية المائدة وسلبا لها بآية التوبة.
قلت آية التوبة أظهر في المشرك الوثني من المشرك الكتابي وآية المائدة ظاهرة في الكتابي المشرك أكثر من الموحد حيث الأكثرية الساحقة منهم هم المشركون ، فهم إذا طاهرون ، فليرفع اليد عن ظاهر التوبة بالأظهر من المائدة دون نسخ.
وإذا تساويتا في شمول الكتابي المشرك فالتقدم لآية المائدة نسخا لآية التوبة ، دون تساقط لأنه ليس إلّا فيما لا نتأكد من صدورهما كما في حقل الرواية.
ولو أجملتا عن الدلالة عليه سلبا للطهارة وإيجابا فقاعدة الطهارة محكمة.