العاصم المعصوم ، فمن هم «الربانيون» ومن هم «الأحبار»؟ «الربانيون» أيا كانوا هم أقرب إلى النبيين من الأحبار لقربهم إليهم أدبيا ومعنويا ، فهم أولاء المتربون بالتربية الربانية البالغة بعدهم ، المربّون علميا وعقيديا وعمليا لسائر المكلفين ، وعلّهم المعنيّون بالربيين : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (٣ : ١٤٦) فهم أولاء المقاتلون في سبيل الله مع النبيين يتعلمون منهم الدين ويعلمون : (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (٣ : ٧٩).
ذلك ، مهما يتواجد منهم من هم يتركون بعض الواجب عليهم : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) (٥ : ٦٣).
فالأحبار لمكان ذكرهم بعد الربانيين ، وأن الحبر لغويا هو الأثر الحسن ، هم الدرجة الثانية من علماء الدين حيث يحملون حسن الأثر من الربانيين الذين هم آثار من النبيين ، فالربانيون هم الوسطاء بين النبيين والأحبار :
أجل وإن مما استحقت به الإمامة التطهير والطهارة من الذنوب والمعاصي الموبقة التي توجب النار ثم العلم المنور ـ المكنون ـ بجميع ما يحتاج إليه الأمة من حلالها وحرامها والعلم بكتابها خاصة وعامة ، والمحكم والمتشابه ، ودقائق علمه وغرائب تأويله وناسخه ومنسوخه ـ والحجة ـ قول الله فيمن أذن الله لهم في الحكومة وجعلهم أهلها (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ ...) فهذه الأئمة دون الأنبياء الذين يربّون الناس بعلمهم ، وأما الأحبار فهم العلماء دون الربانيين ثم أخبر فقال : «بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ، ولم يقل : بما حملوا منه»(١).
__________________
(١) في تفسير العياشي في الآية عن أبي عمر والزبيري عن أبي عبد الله (ع) إن مما استحقت ...