(قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) جاءكم أولا لأنكم أهل الكتاب ، عارفون لغة الكتاب وطبيعته ، فأنتم أحرى بتصديقه من الأميين الذين لا يعرفون وحي الكتاب.
وهنا «رسولنا» دون «رسولي» أو «الرسول» أو «محمد» تعبير قاصد إلى أمرين هامين يتبنيان كيان هذه الرسالة الأخيرة ، ولذلك لم تأت هذه الصيغة إلّا لرسولنا (ص) (١).
فجمعية الصيغة تعني جمعية الصفات ، فهذه الرسالة الأخيرة هي حصيلة الجمعية الربانية في صفاته الحسنى ، فهي تحمل بلاغا جامعا لجمعية الربانية الإلهية المنبثة في سائر الرسالات وزيادة هي قضية خلودها.
ثم إفراد الرسول في هذه الجمعية يلمح بأنه هو الرسول فقط ، فسائر الرسل هم يعبّدون الطريق لهذه الرسالة السامية ، كما و «رسوله» أيضا تختصه دون سواه ، ووحيه أمام سائر النبيين كأنه الوحي لا سواه حين يقرن بسائر الوحي ، حيث أتت بصيغة الوصية وجاه وحيه (ص) : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ..) (٤٢ : ١٣).
إذا ف (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) قد تعني : قد جاءتكم كل الرسالات الربانية بمجيء هذا الرسول.
(يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) بيانا سلبيا لما حرّفتم من كتابات الوحي ، حيث السلب مقدم على الإيجاب في سلك الهداية وسائر التطهير. و «ما تخفون» يعم إخفاء أصل من الكتاب أم معنى منه ، فقد أخفى النصارى توحيد الحق وحق التوحيد بسائر الكرامات الربانية والرسالية والأحكامية ، وأخفي اليهود ـ كمزيد ـ شطرا من أحكام التوراة مصلحية
__________________
(١) لقد جاء «رسولنا» هنا وفي (٥ : ١٩ و ٩٢ و ٦٤ : ١٢) ثم لم تأت لغيره.