وسميت أيضا أنطاكية دفنة أنطاكية دفنة نسبة إلى غابة قديمة العهد شهيرة عند الأقدمين مختصة بعبادة الوثن أبولون ولقبها بلينسيوس مملكة الشرق. وكانت تحسب عاصمة ثالثة للمملكة الرومانية. وكان داخل سور أنطاكية صخور بارتفاع ٧٠٠ قدم وصخور رملية وشلالات ومجار للمياه. وفي وسط ذلك كله بساتين بديعة ورياض أنيقة كأن من نفحات أزهارها طابت قرائح أولئك المشاهير الذين نشؤوا في أنطاكية كيوحنا فم الذهب وليباتيوس وجلياتوس.
ووراء الضفة اليمنى من العاصي سهول واسعة محاطة في إحدى جهاتها بجبل اللكام وبقية الجبال المتفرعة من جبال البياري. ومن الجهة الأخرى محاطة بآكام سلسلة جبال النصيرية.
وكان سلقوس حينما شاد المدينة بنى في غابة دفنة المعروفة الآن بطواحين بيت الماء هيكلا لأبولون التمثال المحبوب عند السلوقيين. ثم رفع ابنه سوتر في وسط المدينة قوسا عظيما كان منصوبا فوقها (١) تمثال جسيم لأبولون. ولم تزل أنطاكية في عهد السلوقيين والرومانيين تعظم وتزداد حسنا وجمالا وحضارة وعمرانا وتكثر فيها الهياكل والشوارع والبساتين والتماثيل والحمامات حتى بلغت غاية يكلّ عنها قلم الوصف. وبعد خراب كنائس اليهود وظهور الديانة المسيحية أخذت تعمر فيها الكنائس المسيحية. وهي أول مدينة أسست فيها كنيسة مسيحية. وأول كنيسة بنيت فيها كانت في أيام قسطنطين وقد بني فيها هذا القيصر عدة بنايات عجيبة. وآخر القياصرة الذي (٢) اعتنوا بتجميلها كان القيصر بالاتس.
وقد توالت على هذه المدينة الجميلة العظيمة نكبات الدهر وانصبت إليها طوارق الحدثان واستولت الزلازل عليها استيلاء لا ينقطع أمده ولا يتناهى مدده واحترقت مرات. وأول زلزال عراها كان قبل المسيح عليه السلام بمائة وثمان وأربعين سنة. ثم في سنة (١١٥) قبل المسيح في عهد القيصر تراجان تعاقبت عليها الزلازل المهولة حتى حولت مجاري أنهارها وهلك بها خلق كثير. ثم لم تزل تعاودها الزلازل إلى أن كانت سنة ٥٢٦ وسنة ٥٢٧ مسيحية فدهمتها زلزلة دمرت معظمها وأهلكت من سكانها (٢٥٠) ألف إنسان فغيروا
__________________
(١) ذكّر الغزّي القوس أولا ، ثم أعاد عليها الضمير مؤنثا. قال الفيروزآبادي : «القوس : مؤنثة وقد تذكر». وكان ينبغي اتباع أحد الوجهين في عبارة الغزي.
(٢) الصواب : «الذين» ، صفة للقياصرة.