صلاح الدين أخرج للفاضل من القصر من يعاني الخيال أعني خيال الظل ليفرجه عليه فقام الفاضل عند الشروع في عمله فقال له الناصر : إن كان حراما فما نحضره. وكان حديث العهد بخدمته قبل أن يلي السلطنة. فما أراد أن يكدر عليه فقعد إلى آخره. فلما انقضى ذلك قال له الملك الناصر : كيف رأيت ذلك. قال : رأيت موعظة عظيمة. رأيت دولا تمضي ودولا تأتي ولما طوي الإزار إذا المحرّك واحد. اه. ثم إن هؤلاء المطربين يشتغلون بآلاتهم إلى مضي بضع ساعات من الليل وحينئذ يضع صاحب البيت مائدة تشتمل على الفواكه والجبن والكعك والزيتون ولب الفستق واللوز والزبيب والبرتقال مع السكر المذاب بالماء. ويعرف هذا بالخشاف تحريف خوش آب كلمة فارسية معناها الماء اللذيذ. وإذا لم يولم مساء فإن مائدته يكون فيها علاوة ما ذكر أنواع الحلوى المعروفة بالكنافة والشوربة المطبوخة بالأرز ولحم الدجاج أو الضأن. فإذا أكل القوم ثم المطربون رجعوا إلى ما كانوا عليه من الطرب إلى ذهاب أكثر الليل ثم انصرفوا إلى بيوتهم. وكثير من يحذف النوبة المذكورة ويقتصر على شيخ يقرأ قصة المولد النبوي أو قصة المعراج ويحضر معه ذا صوت حسن ينشد القصائد النبوية في خلال تلاوة إحدى القصتين.
ثم إن النوبة المذكورة والخيالاتي يشتغلون في بعض بيوت القهاوي في أكثر مواسم السنة التي يساعد ليلها على السهر. وكثير من الناس من لا يدخل في سهرة دوريّة بل يلازم بيته أو بيت القهوة أو يسهر عند أحد ذوي البيوتات التي أعدوها لمجالسة الأحباب ومسامرتهم. وهذه السهرة الدورية تكون عند النصارى واليهود وينتقلون فيها كل ليلة إلى بيت. وجلّ ما يمضون عليه سهرتهم هو اللعب بالورق. وأكثر ما يكون في الليالي التي يحتفلون فيها السماع والشرب والرقص على النسق العربي والافرنجي. ثم في الأيام الأخيرة طمى بحر الملاهي في أماكن متعددة أوجدت لذلك خاصة كمراسح الرقص والتمثيل والشرب والغناء والشعوذة وأنواع الخلاعة على صفة يحمر لذكرها وجه الأدب.
ما لا يستحسن من عادات بعض الحلبيين
إن ما أذكره هنا من العادات لا يستعمله من الناس إلا من لا يعبأ به. أما خواص الناس فإنهم يدركون بعقولهم المليح فيأتونه والقبيح فيجتنبونه. ولذا ترى الخواص من كل