و «عاكفون» هنا لا تختص بعبادة الاعتكاف ، وانما هي مصداق لها أجلى ، وموضوع الحكم ككل هو الكون في المساجد صائمين كالعاكفين ام غير صائمين كسواهم ، فقد تخصص هذه الآية آية ليلة الصيام مهما كان بينهما عموم من وجه فان مادة الالتقاء هي للعاكفين في المساجد ليلة الصيام ، وآية السلب تنسخ اطلاق السماح لآية الإيجاب ، كما وان آية النساء (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) لا تسمح للمجنب كونا في المساجد مهما كان للصلاة (حَتَّى تَغْتَسِلُوا).
ولا صلة لآية السلب بآية الإيجاب إلّا مظنة الحل فيها حتى للعاكفين في المساجد فجاء الحظر المطلق عن مباشرة النساء (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) صائمين وغير صائمين ليلا ونهارا ما دمتم في المساجد ، مهما كان الصيام من شروط الاعتكاف مطلقا ام إذا فرضه على نفسه ، او إذا استطاع ، حيث «عاكفون» أعم من عبادة الاعتكاف ام مطلق العكوف في المساجد مما قل منه او كثر ما دام هو في المساجد.
وهذه المباشرة المسلوبة فيها هي المباشرة المسموح بها ليلة الصيام فليست إلّا الرفث الى النساء دون ما سواه من اتصالات شهوانية بهن.
وهنا (فِي الْمَساجِدِ) تنفي اختصاص عبادة الاعتكاف بالمسجد الحرام ام هو مسجد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فتحلية المساجد باللام تلمح للاستغراق ، فقد يجوز الاعتكاف فيها مطلقا مهما كان الفضل للمسجدين الأعظمين ، وبعدهما للجوامع(١).
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ٢٠٢ ـ أخرج الدار قطني عن حذيفة سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول : كل مسجد له مؤذن وامام فالاعتكاف فيه يصلح.
وفي الفقيه باب الاعتكاف رقم (١) صحيحة الحلبي : لا اعتكاف الا بصوم في مسجد الجامع.
وفي التهذيب ١ : ٤٣٤ في خبر ابن سنان : «لا يصح العكوف في غيرها يعني مكة إلّا ان يكون ـ