هنا تقسيم آخر لمن هم في صورة الناس الى نسناس وناس في سيرة الناس ، الى منافق يعجبك قوله في الحياة الدنيا وهو ألد الخصام ، وإلى من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ، واين ناس من ناس؟.
ففي ثنايا التوجيهات والتشريعات المشرفة الربانية في القرآن ، تجد منهجا قديما للتربية والترقية الخلقية ، قائما على الخبرة المطلقة الربانية بالنفس الإنسانية ومساربها ومآربها الظاهرة والخفية ، وكما يتضمن رسم نماذج من البشرية الصالحة والطالحة ، واضحة الخصائص ، جاهرة السمات ، حتى كأنها حاضرة ترى بذوات أعيننا.
نرى في هذا الدرس الحاضر ملامح لائحة لنموذجين من نماذج الناس ، المرائي المنافق الشرير الذلق اللسان ، يعجبك قوله بمظهره ويسؤك فعله بمخبره :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) ٢٠٤.
«يعجبك» يروقك ويسرك (قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) عرضا لها واعراضا في قالته عنها كزاهد متحمس وتقي مخلص ، ام «يعجبك في الحياة الدنيا» عجابا من ظاهر القول في ظاهرة الحياة الدنيا «قوله» وأما الحياة العليا التي أنت تعيشها وذووك ، فلا يعجبك قوله فيها ، (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) أنه يوافق قوله «و» الحال انه (هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) ، واللدود هو الشديد اللّدد : صفحة العنق ، حيث لا يتلوى إلى حق ، فضلا عن الألد ، والخصام هم المخاصمون المنازعون ، حيث يتعلق كل واحد بخصم الآخر وجانبه ويجذب خصم الجوالق من جانب ، فجمع المعنى والمعنى الجمع : وهو أشد عنقا استقلالا فيما يهوى ، واستغلالا له كما هوى في خصام الدنيا وزينتها ، مخاصما لدودا كل حق ، مجاذبا كل باطل ، لا يأتي منه أي خير ، فحياة كلها تجمعها «ألد الخصام في الحياة