ومنها الحياة الخبيثة فيهما وللمؤمنين طيبتها : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٧ : ٩٧) ـ (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) (٦ : ١٢٢). و (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (٤٧ : ١١).
وليس يختص الحبط بالأعمال العبادية والصالحة ، إلّا بالنسبة للذين ارتدوا عن إيمانهم ، واما الذين كفروا ولم يؤمنوا قط فلا اعمال لهم صالحة ولا عبادات قربية حتى تحبط ، فإنما تحبط كل أعمالهم عن آثارها المطلوبة لطمأنة الحياة ، ف (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) فإنهم ليس لهم صنع إلّا للدنيا ، دون مرضات الله ، فالحبط عليهم يختص بما عملوا من سيئات إذ لم تكن لهم صالحات ، وان كانت لهم صالحات وفّيت إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا ينجسون. (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١١ : ١٦) ، واما الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم ارتدوا على ادبارهم وانقلبوا خاسرين ، فأولئك حبطت كل اعمالهم صالحة وطالحة ، في الدنيا ككل ، وفي الآخرة صالحاتهم.
فالأعمال السيئة للحابطة أعمالهم حابطة يوم الدنيا إذ لا تنتج راحة الحياة كما يرام ، وهي ثابتة في الأخرى جزاء وفاقا ، ثم الصالحات حابطة في الدنيا والآخرة دون إبقاء.
وخير تفسير لحبط الأعمال للذين كفروا هو آيته ، الموفية لاعمالهم في الدنيا (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) فحسناتهم ـ وهي النسبية امام سيئاتهم ـ موفّاة في الدنيا وحابطة في الآخرة ، فسيأتهم هي الخالصة في الأخرى دون انضمام الى حسنات ف (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ).