هنا «حياة» منكّرة دون «الحياة» المعرّفة ، لمحة إلى أن حرصهم لا يخص الحياة الراقية المريحة المربحة ، بل هي مطلق الحياة ، ما تتسمى حياة ، مهما كانت أرذلها ، لأنها على أية حال أفضل من الحياة الأخرى بما قدمت لهم أنفسهم.
ف «الناس» في (أَحْرَصَ النَّاسِ) هم كل الناس دونما استثناء ، وحتى الذين أشركوا ، وكما يبيّنه : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي : وأحرص من الذين أشركوا ، لأنهم يخافون عما بعد الموت ما لا يخافه المشركون.
إجل إنها «حياة» أيّة حياة ، ملمّحا لها بذلك التنكير النكير الحقير ، حياة ديدان او حشرات ، وإنما «حياة» ثم لا شيء آخر ، الحياة الرزيلة التي لا يقبلها اي ذي حياة ، لا وحتى الذين أشركوا!.
فهم ـ رغم أنهم عارفون القدر المتعوّد من الحياة ـ يجتازونها إلى أعلى ما بالإمكان في تقديرهم : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) كسبا أكثر وأوسع من ملذات الحياة الدنيا ، ابتعادا أوفر عن عذاب الأخرى ، ولكنه (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) وكل آت قريب ، فحتى لو عمّر أحدهم الدنيا فليعذب اكثر واكثر مما لو انه لم يعمّر ، لأنه يزيد في تعميره الأكثر استحقاقا للعذاب أكثر ، فتعميره الكثير ـ إذا ـ يبوء الى العذاب الكثير! (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ).
واختصاص المشركين هنا من بين الناس لأنهم أحرصهم على حياة ، ولكن اليهود هم أحرص من أحرص الناس على حياة.
(يَوَدُّ أَحَدُهُمْ ...) كما يرجع إلى اليهود ، كذلك إلى الذين أشركوا ، ام هو راجع إليهم ، ثم اليهود يود أحدهم لو يعمر اكثر من ألف لأنهم أحرص منهم على حياة (١).
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ٨٩ عن ابن عباس في الآية قال هو قول الأعاجم إذا عطس أحدهم : زه هزار سال ـ يعني الف سنة.