وان اقتضى البدء ، فالأولى بدءه ، ثم الثانية تنتهي اليه مصيرا للمسير ، فقولنا : إنا لله ، اقرار على أنفسنا بالملك وإنا اليه راجعون ، إقرار بأهلك (١) ... فإذا نحن في البدء «لله» اختيارا ودون اختيار ، ثم في المصير ليس لنا اختيار ، فأحرى لنا ان نختار في عالم التكليف والإختيار ما هو يختار ، تصبّرا على المصاب ، وقولا بالصواب : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ـ (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢ : ٢٤٥).
فعلى م تأسف وتجزع أيها الإنسان عند المصاب ولا يملك إلّا رب الأرباب ، ثم وإليه المصير! فلا حول لك ولا طول في المصاب الذي ليس لك فيه ذهاب ولا إياب ، اللهم إلا الذي يأتيك جزاء ليس لك عنه محيد.
ذلك! ولكن الصبر على المصاب حيث أصاب ، لا يعني الصبر على كل ظلم وضيم ، فان واجب الدفاع عنده يحرّض على كلّ محاولة مستطاعة لدفع الظلم ، فإنما الصبر على ما وقع منه دون جزع او تساءل على الله ، ثم العمل الجادّ على دفع الإصابة المشرفة ، وإزالة البقية من الواقعة.
(أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) ١٥٧.
وعلّ هذه الثلاث ـ وأنعم بها وأبشر ـ هي المبشرّ بها في (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) :
ف (صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ) هي رحمات عدة ، يرفعهم الله بها إلى المشاركة في نصيب نبيّه حيث يصلي عليه هو وملائكته ، فهي صلوات زيادة على عامة الصلوات في (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٣٣ : ٤٣) ، ثم «ورحمة» خاصة مع هذه
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ١٤٤ عن اصول الكافي ونهج البلاغة عن الامام علي (عليه السلام).