هي ـ فقط ـ لفظة القول ، كما الصبر ـ أيضا ـ ليس من هذه المقولة ، فإنما «قالوا» باللسان إخبارا عن حالة واقعة في الجنان ، فألسنتهم قائلة وأعمالهم ـ عند المصيبة ـ عما في القلب : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).
أم «قالوا» بلسان قالهم وحالهم وأعمالهم ، فهم ـ إذا ـ بكل كيانهم استرجاع لربهم عند مصائبهم. «إنا لله» ككلّ ـ في ذواتنا وصفاتنا وأفعالنا وإدراكاتنا ، فكلّ مالنا ومنا وإلينا ، مماليك لله دون أية حرية طليقة عن مشيئة الله ، فحين تصيبنا مصيبته لسنا نتضايق أبدا ولا نتساءل ، لأنها ليست إلّا بإذن الله ، ثم (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) كيفما كنا وأين وأنّى.
ترى ما ذلك الرجوع؟ أرجوع إليه عما كنا عنده؟ (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) دون انفصال علمه وقدرته وإرادته!.
أم رجوع إلى عالمه الأخير في الدار الآخرة؟ ولم نكن فيها حتى نرجع إليها! ثم الرجوع إليها ليس ـ بالتمام ـ رجوعا إليه حتى وإن كنا من قبل فيها!.
قد يعني (إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) رجوعنا الى ما كنا في «إنا لله» ولكن أين؟ فهل رجوعا الى ما نحن الآن من «إنا لله» وهو تحصيل للحاصل؟!.
علّه رجوع الى «إنا لله» قبل الإختيار والتكليف إذ كنا أجنّة في بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا حتى نعلم شيئا فكنا «لله» لا لأنفسنا ، إذ لم نكن نسطع على شيء من أمرنا ، فكذلك نرجع إليه بنفس الحالة ، حيث الحياة البرزخية ثم الأخرى ، لا خيرة للأحياء فيها : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٣٠ : ١١). (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٤١ : ٢١). ف «إنا لله» اعتراف باختيار ما اختار الله لنا يوم الدنيا ، وكما كنا مسيّرين فسوف نرجع إليه كما بدأنا.
أم (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) عن كلا المرحلتين من «إنا لله» حيث الرجوع