وكانوا يزيدون ويكثرون بالتدريج حتى بلغوا ألفا وأكثر . ثم في زمن عثمان ، لما أخرج أبا ذر الى الشام ، بقي أياما ، فتشيع جماعة كثيرة ، ثم أخرجه معاوية الى القرى ، فوقع في جبل عامل ، فتشيعوا من ذلك اليوم ١ الى آخر ما ذكره .
بعد هذا العرض ، يتضح لنا أن هذا المضمون ، واحد متفق عليه ، لا مكان للغموض فيه . ولكن يمكننا النقاش في عملية الطرح لهذا المضمون ، فنقول :
مما لا شك فيه ، أن أبا ذر ( رض ) هو أول من بذر هذه البذرة الطيبة في جبل عامل ( قرى الشام ) بفضل إقامته فيها . ولكن إقامته الطويلة الأمد التي استغرقت من عمره سنوات ، والتي كان مرتاحا فيها ـ على الاقل ـ بادیء الامر ، كما قدمنا ، لا منفيا . هذا أولا .
وثانيا : انه أقام أولا في قرى الشام خلال هذه المدة الطويلة . بدليل قوله « كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغني عنهم . . » راجع ص ٦٨ . والثغر لا يعني قلب العاصمة ، بل على العكس ، يعني حدود المنطقة التي يمكن للعدو أن ينفذ منها . ثم بعد ذلك ـ يمكننا القول ـ بأن معاوية حين خشي منه أن يفسد الناس عليه ، جلبه الى الشام ليكون تحت رقابته ، ورقابة جلاوزته . فلما رأى انه لا يكف عن ذلك ، كتب فيه الى عثمان .
اما القول بأن معاوية ، نفاه الى قرى الشام أولا ، ثم جلبه اليه ، فبعيد جدا ، ولا يتلائم مع دهاء معاوية وحذره . إذ كيف يعقل أن ينفيه معاوية من الشام بسبب اثارته الناس عليه ، وهو فيها تحت قبضته وسلطانه ، الى قرى
__________________
(١) جبل عامل في التاريخ ج ١ / ٤٩ الى ٥٤ .