قلت : تعس الشيطان ، تعاظم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب». وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب ، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب.
ثم أبان موضع وسوسته ، فقال :
(الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) أي الذي يلقي خواطر السوء والشرّ في القلوب ، وإنما ذكر الصدور لأنها تحتوي على القلوب ، والخواطر محلها القلب ، كما هو المعهود في كلام العرب.
ثم بيّن الله تعالى أن الذي يوسوس نوعان : جني وإنسي ، فقال :
(مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) أي أن ذلك الموسوس إما شيطان الجن ، فيوسوس في صدور الناس ، كما تقدم ، وإما شيطان الإنس ، ووسوسته في صدور الناس : أنه يري نفسه كالناصح المشفق ، فيوقع في الصدر كلامه الذي أخرجه مخرج النصيحة ، فيجعله فريسة وسوسة الشيطان الجني. وهذا يدل على أن الوسواس قد يكون من الجن وقد يكون من الناس ، كما جاء في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ، يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [الأنعام ٦ / ١١٢] أي ليست العداوة قهرية جبرية ، وإنما بما أودع الله فيهم من قدرة الاختيار ، فمنهم من يختار الإصغاء لوسوسة الشياطين ، ومنهم من يحذر عداوتهم ووسوستهم.
فقه الحياة أو الأحكام :
علّمنا الله تعالى في هذه السورة رحمة بنا كيفية الاستعاذة من شياطين الإنس والجن ، وعرفنا أنه بصفاته الثلاث : الربوبية ، والملك ، والألوهية ، يحمي