مؤمن ليس بكافر. أما المشركون فلا ينقسمون هذه القسمة ، وكلهم كفار ؛ لأن كلمة (مِنْ) هنا ليست للتبعيض ، بل للتبيين ، كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج ٢٢ / ٣٠] فقوله تعالى : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ) بيان للذين كفروا ، والمراد أن الكفار فريقان : بعضهم أهل الكتاب ومن يجري مجراهم كالمجوس ، وبعضهم مشركون. وكلمة (وَالْمُشْرِكِينَ) وصف لأهل الكتاب ؛ لأن النصارى مثلثة ، وعامة اليهود مشبّهة ، وهذا كله شرك.
٤ ـ في الآية الأولى أحكام شرعية هي :
أولا ـ أنه تعالى فسر قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا) بأهل الكتاب وبالمشركين ، وهذا يقتضي كون الكل واحدا في الكفر ، لذا قال العلماء : الكفر كله ملة واحدة ، فالمشرك يرث اليهودي وبالعكس.
ثانيا ـ أن العطف أوجب المغايرة ، فلذلك نقول : الذمي ليس بمشرك. وقال صلىاللهعليهوسلم عن المجوس فيما أخرجه الشافعي عن عبد الرحمن بن عوف : «سنّوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» فأثبت التفرقة بين الكتابي والمشرك. لكن قوله : «غير ناكحي» إلخ ، زيادة ضعيفة.
ثالثا ـ نبّه بذكر الكتاب على أنه لا يجوز الاغترار بأهل العلم ؛ إذ قد حدث في أهل القرآن مثلما حدث في الأمم الماضية (١).
٥ ـ خص الله تعالى أهل الكتاب بظهور التفرق فيهم دون غيرهم ، وإن اشتركوا مع بقية الكفار في الكفر ؛ لأنه مظنون بهم علم ، فإذا تفرقوا كان غيرهم ممن لا كتاب له أدخل في هذا الوصف.
٦ ـ حدثت ظاهرة تفرق أهل الكتاب بعد البعثة النبوية ، وذلك أنهم كانوا
__________________
(١) تفسير الرازي : ٣٢ / ٤١