وهو جزاء دقيق عادل ؛ فإن الله تعالى عالم بأفعالهم علما لا يزول ولا يتبدل ، وقد أحصاها عليهم ، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ لتعرفه الملائكة ، كما أن الحفظة الملائكة الموكلين بأمر العباد كتبوا كل شيء عليهم بأمر الله تعالى إياهم بالكتابة ، بدليل قوله تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ ، كِراماً كاتِبِينَ) [الانفطار ٨٢ / ١٠ ـ ١١] وقوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) دليل على كونه تعالى عالما بالجزئيات.
٧ ـ في قوله تعالى : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) أظهر الله تعالى غاية السخط بطريق الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، والتعقيب بفاء الجزاء الدال على أن العقاب سبب عن كفرهم بالحسنات ، وتكذيبهم بالآيات.
وزيادة العذاب : إما لازدياد كفرهم وعتوهم حينا بعد حين ، كقوله تعالى : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة ٩ / ١٢٥] وإما لأن زيادة العذاب عبارة عن استمراره نفسه ؛ لأنه يتزايد بمرور الزمان. والمراد : إنا لن نخلصكم من العذاب إلى خلافه ، وإن عذاب أهل النار دائم غير متناه ، وإنه تعالى يزيد في عذاب الكافر أبدا.
وهذه الآية دالة على المبالغة في التعذيب من وجوه :
أحدها ـ قوله : (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ) وكلمة «لن» للتأكيد في النفي.
وثانيها ـ أنه في قوله : (كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) ذكرهم بالغيبة ، وفي قوله : (فَذُوقُوا) ذكرهم على سبيل المشافهة ، وهذا يدل على كمال الغضب ، كما ذكرت.
وثالثها ـ أنه تعالى عدد وجوه العقاب ، ثم حكم بأنه جزاء موافق لأعمالهم ، ثم عدد فضائحهم ، ثم قال : (فَذُوقُوا) فكأنه تعالى أفتى ، وأقام الدلائل ، ثم أعاد تلك الفتوى بعينها ، وذلك يدل على المبالغة في التعذيب (١).
__________________
(١) تفسير الرازي : ٣١ / ١٩