التفسير والبيان :
(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ، أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) أي إن الكفار المعاندين المخالفين أوامر الله ونواهيه ، والذين يجانبون الحق ويعادون الإسلام ، فيجعلون أنفسهم في حد ، وشرع الله ورسوله في حد آخر ، هم في جملة المغلوبين وفي جملة من هم أذلّ خلق الله تعالى ، لا ترى أحدا أذلّ منهم ، سواء في الدنيا بالقتل والأسر والطرد من الديار ، كما حصل للمشركين واليهود ، وفي الآخرة بالخزي والنكال والعذاب ، كما قال تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ، وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) [آل عمران ٣ / ١٩٢]. وهذا إنذار بهزيمة أعداء الله ، والآية جملة استئنافية لتعليل خسرانهم.
(كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ، إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) أي حكم الله وقضى في سابق علمه الأزلي أن الله ورسله هم الغالبون بالحجة والسيف ونحوهما ، إن الله قوي على نصر رسله ، غالب لأعدائه ، وهذا ـ كما قال ابن كثير ـ قدر محكم ، وأمر مبرم أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والآخرة. وهذا بشارة بنصر المؤمنين على الكافرين ، وقد تحقق ذلك مرارا ، فنصر رسله الكرام على أقوامهم ، كقوم نوح وهود وصالح ولوط وغيرهم ممن مضى ، ونصر رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ومن آمن معه على المشركين في الجزيرة العربية ، وعلى دولتي الروم والفرس.
ونظير الآية قوله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [٣٧ / ١٧١ ـ ١٧٣].
ثم بيّن الله تعالى شأن المؤمنين في أنهم لا يوادون أعداء الله ، فقال :
(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ، وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) أي لا ينبغي للمؤمنين بالله واليوم الآخر أن يحبوا ويصادقوا ويوالوا من عادى الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم