٣ ـ (يَقُولُونَ : لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) أي يقول هؤلاء المنافقون ، والقائل عبد الله بن أبي زعيم المنافقين : لئن عدنا من هذه الغزوة ، أي غزوة بني المصطلق إلى المدينة ، ليخرجن الأعز ـ عنى بالأعز نفسه ومن معه ـ منها الأذل ، أراد بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن معه ، فنحن الأعزاء الأقوياء ، وهم الأذلاء الضعفاء. وقد رجع ابن أبي إلى المدينة ، فلم يلبث إلا أياما يسيرة حتى مات ، فاستغفر له رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وألبسه قميصه ، فنزلت هذه الآية.
فرد الله عليهم قولهم ، فقال :
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي إن لله وحده القوة والغلبة ، ولمن منحها من رسله وصالحي عباده المؤمنين ، لا لغيرهم ، ولكن المنافقين لا يدرون ذلك ، لفرط جهلهم ، وعدم إيمانهم ، وشدة حيرتهم وقلقهم ، فالله هو الذي ينصر من يشاء من عباده ، كما قال : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة ٥٨ / ٢١]. والعزة والمنعة والقوة لله ، خلافا لما توهموا أن العزة بكثرة الأموال والأتباع. والعزة غير الكبر ، فالعزة : الشعور بالسمو مع معرفة الإنسان حقيقة نفسه ، والكبر : غمط الناس حقوقهم وجهل الإنسان بنفسه.
روي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول قال لأبيه : والذي لا إله إلا هو لا تدخل المدينة حتى تقول : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الأعز وأنا الأذلّ ، فقاله (١).
وإنما قال في الآية الأولى : (لا يَفْقَهُونَ) وهنا (لا يَعْلَمُونَ) ليعلم بالأول قلة كياستهم وفهمهم ، وبالثاني كثرة حماقتهم وجهلهم.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٨ / ١٢٩