وفي تنكير (فاسِقٌ) و (بِنَبَإٍ) دلالة على العموم في الفساق والأنباء ، كأنه قال : أيّ فاسق جاءكم بأي نبأ ، فتوقفوا وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة ، ولا تعتمدوا قول الفاسق ، لأن من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه (١).
والآية دالة على أن خبر الواحد العدل حجة ، وشهادة الفاسق لا تقبل.
ثم ذكّرهم بوجود رسول الله صلىاللهعليهوسلم بينهم ليعظموه ويسألوه ، فقال :
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ ، لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) أي اعلموا أن معكم رسول الله ، فعظموه ووقروه وانقادوا لأمره ، فإنه أعلم بمصالحكم ، ولا تقولوا قولا باطلا ، ولا تتسرعوا بالحكم على الناس من غير تبين حقيقة الخبر ، ولو أطاعكم في كثير مما تخبرونه به من الأخبار ، وتشيرون عليه من الآراء غير الصائبة ، لأدى ذلك إلى الوقوع في العنت ، وهو التعب والإثم والهلاك ، ولكنه لا يطيعكم في غالب ما تريدون قبل اتضاح الأمور ، ولا يسارع إلى العمل بما يبلغه قبل النظر والتأمل فيه.
وإنما قال : (يُطِيعُكُمْ) بلفظ الاستقبال دون : أطاعكم ، للدلالة على استمراره في التثبت والتحقق مما ينقل إليه من الأخبار ، بدليل قوله : (فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) أي في كثير مما عنّ لهم من الآراء والأهواء ، فلو أرادوا منه الاستمرار في طاعته لهم ، لوقعوا في الإثم والهلاك.
وفي قوله (فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) مراعاة لجانب المؤمنين حيث لم ينسب جميع آرائهم إلى الخطأ ، وفيه أيضا تعليم حسن وتأديب جميل في باب التخاطب ، وإشارة إلى تصويب رأي بعضهم ، ولهذا استدرك مشيرا إلى رأي بعضهم في ضرورة التريث إلى أن يتبين أمر بني المصطلق ، فقال :
__________________
(١) الكشاف : ٣ / ١٤٩