وعنادا وحسدا وبغيا ، فضمّوا إلى شركهم وضلالهم تكذيب الحق ورفضه ، والاستهزاء به ، والتّصريح بالكفر برسالته وإنكار نبوته.
ثم ذكر الله تعالى نوعا آخر من الكفر وهو النّوع الرّابع من كفرياتهم المذكورة في هذه السورة (١) ، فقال :
(وَقالُوا : لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) أي وقال كفار قريش وأمثالهم : هلا أنزل القرآن على أحد رجلين عظيمين من مكة أو الطائف ، وهما الوليد بن المغيرة ومسعود بن عروة الثقفي ، فكل منهما عظيم المال والجاه ، وسيد في قومه. المعنى : أنه لو كان قرآنا لنزل على رجل عظيم من عظماء القريتين. وهذا اعتراض منهم على الله الذي أنزل القرآن على رسوله.
فأبطل الله تعالى هذه الشّبهة من ثلاثة وجوه :
الأول ـ (أَهُمْ)(٢)(يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ)؟ (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ ، لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) أي إن هؤلاء المشركين تجاوزوا حدودهم وأقدارهم ، فأرادوا أن يجعلوا ما لله لأنفسهم ، وليس الأمر مردودا إليهم ، بل إلى الله عزوجل ، والله أعلم حيث يجعل رسالته ، فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلبا ونفسا وأشرفهم وأطهرهم أصلا. أيجوز لهم أن يقسموا رحمة ربّك وهي النّبوة ، فيختاروا لها من يريدون؟ نحن الذين نقسم الأرزاق والحظوظ بين العباد ، ونفضل بعضهم على بعض درجات في القوة والضعف ، والعلم والجهل ، والشهرة والخمول ، والغنى والفقر ، لأنا لو سوّينا بينهم في هذه الأحوال لم يتعاونوا فيما بينهم ، ولم يتمكنوا
__________________
(١) الثلاثة المتقدمة : هي جعلهم الملائكة بنات الله ، وجعل الملائكة إناثا ، وقولهم : لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ.
(٢) الاستفهام هنا للإنكار والتّعجب.