وقد أنجز الله وعده ، فكانت أرزاق المهاجرين في المدينة أكثر وأوسع وأطيب ، وصاروا بعد زمن قصير حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصار. ونظير الآية قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها ، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها ، كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [ود ١١ / ٦].
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على ما يلي :
١ ـ الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام مطلوبة واجبة حال وجود أذى الكفار وتعذر إقامة شعائر الدين ، فعلى المسلم أن يتلمس عبادة الله في أرضه مع صالحي عباده ، فإن كان في حال مضايقة من إظهار الإيمان في أرض ، فهاجر إلى أرض أخرى ، فإن أرض الله واسعة ، لإظهار التوحيد بها. وهذا كان مناسبا للمؤمنين في صدر الإسلام حيث هاجروا من مكة مهد الشرك والوثنية إلى المدينة الطيبة المطهرة ، ثم ارتفع الوجوب ولم تعد الهجرة واجبة بعد فتح مكة ، وإنما بقيت الهجرة بمعنى هجر السوء وترك ما نهى الله عنه.
والآية نزلت في الهجرة قبل الفتح ، لا في الهجرة مطلقا في كل زمان ومن أي بلد ، ولكن بعمومها تعد مستندا للقول بوجوب الهجرة على الدوام عند الإمكان إذا لم يتمكن المسلم من إقامة شعائر دينه.
٢ ـ رغّب الله في الهجرة السابقة من مكة إلى المدينة بتحقير أمر الدنيا ومخاوفها وبيان أن البشر كلهم ميتون ومحشورون إلى الله ، وما عليهم إلا المبادرة إلى طاعة الله والهجرة إليه وإلى ما يمتثل.
٣ ـ وعد الله المؤمنين العاملين بسكنى الجنة تحريضا منه تعالى ، وذكر الجزاء الذي ينالونه وهو دخول الجنان التي تجري من تحتها الأنهار وإسكانهم المنازل العالية.