وفسّر القرطبي الآية بأنه لو كان للإنسان رزق مثقال حبة خردل في أي مكان في العالم العلوي (السموات) والسفلي (الأرض) جاء الله بها ، حتى يسوقها إلى من هي رزقه ؛ أي لا تهتم للرزق حتى تشتغل به عن أداء الفرائض ، وعن اتّباع سبيل من أناب إلي. ومن هذا المعنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم لعبد الله بن مسعود فيما رواه البيهقي في القدر ، وهو ضعيف : «لا تكثر همّك ، ما قدّر يكن ، وما ترزق يأتك». وقد نطقت هذه الآية بأن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما ، وأحصى كل شيء عددا ؛ سبحانه لا شريك له.
٩ ـ في الآية تعظيم الطاعات وهي الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا يشمل جميع الطاعات والفضائل ، والحضّ على تغيير المنكر والصبر ، وإن نال الإنسان ضرر ، وفيه إشعار بأن المغيّر يؤذى أحيانا.
كما أن الصبر مندوب إليه عند التعرض لشدائد الدنيا كالأمراض وغيرها ، وعلى الإنسان ألا يخرج من الجزع إلى معصية الله عزوجل ، فإن من حقيقة الإيمان الصبر على المكاره.
وإن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم الأمور ، أي مما عزمه الله وأمر به ، وجعله من الأمور الواجبة.
١٠ ـ دلّ قوله تعالى : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) على تحريم التكبر ، ومعنى الآية : ولا تمل خدك للناس تكبرا عليهم ، وإعجابا بالنفس ، واحتقارا لهم ، وأقبل عليهم متواضعا مؤنسا مستأنسا ، وإذا حدّثك أصغر الناس ، فاصغ إليه حتى يكمل حديثه ، كما كان يفعل النبي صلىاللهعليهوسلم.
والخلاصة : لا تدبر عن المتكلم ، كما روى مالك عن أنس بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» فالتدابر والإعراض وترك