ثم إرشاد الأصم الذي لا يفهم الكلام إلا بالإشارة أصعب ، ثم الأعمى الذي يفهم ويعي الشيء الكثير ، لكن إرشاده صعب أيضا.
التفسير والبيان :
(فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) أي لا تحزن ولا تجزع أيها الرسول على إعراض هؤلاء المشركين عن دعوتك ، بعد بيان أدلة التوحيد والقدرة على البعث ، وتهديدهم ووعيدهم ، فإنك لا تستطيع أن تفهم الموتى أو تسمعهم سماع تدبر واتعاظ ، ولا تقدر أن تسمع دعوتك الصم الذي لا يسمعون ، وهم أيضا مع ذلك مدبرون عنك غير مقبلين على كلامك وهدايتك ، وهم مع سماعهم في الظاهر أشبه بالموتى في أجداثهم ، والصم الذين فقدوا حاسة السمع ، لسدهم منافذ الهداية ، وإدبارهم عن سماع كلمة الحق ، وعدم استعدادهم لوعي شيء وفهمه عنك ، وهم أيضا كالعمي كما قال :
(وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) أي وليس في مقدورك هداية العميان عن الحق ، وردهم عن ضلالتهم ، بل الهداية إلى الله تعالى ، فإنه بقدرته يسمع الأموات أصوات الأحياء إذا شاء ، ويهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وليس ذلك لأحد سواه ، ولهذا قال تعالى :
(إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا ، فَهُمْ مُسْلِمُونَ) أي لا تسمع أيها الرسول سماعا يؤدي إلى الانتفاع إلا المؤمن المصدق بالقرآن وما اشتمل عليه من دلائل التوحيد والقدرة الإلهية على كل شيء ، فهذا المؤمن إذا سمع آيات الله تتلى عليه ، تدبره وتفهمه ، وأقبل عليه يعمل بما جاء فيه ، وينتهي عما نهى عنه ، وهؤلاء المؤمنون هم المسلمون ، أي الخاضعون المستجيبون المطيعون لله فيما أمر ونهى ، وأولئك هم الذين يسمعون الحق ويتبعونه.