وهذا دليل على أن التخلي عن الإيمان سهل على المنافق ؛ لأنه لم يخالط الإيمان شغاف قلبه ، وإنما كان مجرد ترداد على اللسان ، لمصالح دنيوية ، فإذا تعرض لأدنى أنواع الأذى ، ترك الله بنفسه. أما المؤمن الصادق الإيمان فلا يتزحزح عن إيمانه القلبي مهما تعرض لأنواع الأذى ، فإن أكره على الردة أمكنه مجاراة المكره باللسان ، مع اطمئنان قلبه بالإيمان ، فلا يترك الله بحال.
قال الزجاج : ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذى في الله. روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله ، وما يخاف أحد ، ولقد أتت علي ثالثة ، وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال».
ثم تحدث الله تعالى عن انتهازية المنافقين ونفعيتهم فقال :
(وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ : إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ، أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) أي ولئن تحقق نصر قريب من ربك يا محمد بالفتح والغنيمة لقال هؤلاء المنافقون : إنا كنا معكم ردءا وإخوانا لكم في الدين ، نناصركم على الأعداء ، كما أخبر تعالى عنهم في آية أخرى : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ ، فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا : أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ؟ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا : أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ، وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ) (الْمُؤْمِنِينَ؟) [النساء ٤ / ١٤١].
ثم رد الله عليهم وكشف أمرهم متوعدا مبينا لهم أنه لا تخفى عليه أوضاعهم فقال : (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) أي أوليس الله بأعلم بما في قلوبهم وما تكنه ضمائرهم من الإيمان والنفاق ، وإن أظهروا لكم الموافقة على الإيمان؟ بلى ، إن الله عالم بكل شيء ، لا تخفى عليه خافية ، يعلم السر وأخفى ، فيعلم المؤمن الحق والمنافق الكاذب.
ثم ذكر الله تعالى أنهم معرّضون للاختبار فقال :