(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) أي وإن الذين صدقوا بالله ورسوله ، وعملوا ما أمرهم به ربهم ، فأصلحوا نفوسهم ، وأدوا فرائضهم ، لنحشرنهم في زمرة الصالحين : الأنبياء والأولياء ، لا في زمرة الوالدين المشركين ، وإن كانا أقرب الناس إليه في الدنيا ، فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب حبا دينيا.
والسبب في إعادة (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بيان حال الهادي هنا بعد بيان حال المهتدي قبل ذلك ؛ بدليل أنه قال أولا : (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) ثم قال ثانيا هنا : (لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) والصالحون هم الهداة ؛ لأنه مرتبة الأنبياء ، ولهذا قال كثير من الأنبياء : (أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) كما أنه تعالى ذكر أولا حال الضال بقوله : (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) ثم هدد المضل بقوله : (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ) فصار البيان المتقدم لقسمين من المكلفين : المهتدي والضال ، والبيان المتأخر لقسمين آخرين هما : الهادي والمضل (١).
الموضوع الثاني :
حال المنافقين (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : آمَنَّا بِاللهِ ، فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) أي ويوجد فريق من الناس ، هم قوم من المكذبين المنافقين الذين يقولون بألسنتهم : صدقنا بوجود الله ووحدانيته ، ولكن لم يثبت الإيمان في قلوبهم ، بدليل أنه إذا نزلت بهم محنة وفتنة في الدنيا ، فآذاهم المشركون لأجل إيمانهم بالله ، اعتقدوا أن هذا من نقمة الله بهم ، فارتدوا عن الإسلام ، وكان ذلك صارفا لهم عن الإيمان ، كما أن عذاب الله صارف المؤمنين عن الكفر.
وهذا كقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ، خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ، ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) [الحج ٢٢ / ١١].
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٥ / ٣٦.