التفسير والبيان :
تشتمل الآيات على موضوعات ثلاثة : التمسك بالتوحيد ولو بمخالفة أمر الأبوين رغم الأمر بالإحسان إليهما ، وأقسام المكلفين الثلاثة ، وبعض مظاهر الفتنة عن الدين.
الموضوع الأول :
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً ، وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، فَلا تُطِعْهُما ، إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ، فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي لقد أمرنا العباد بالإحسان إلى الوالدين ببرهما قولا وفعلا ؛ لأنهما سبب وجوده ، كما قال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما ، فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما ، وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً ، وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ، وَقُلْ : رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) [الإسراء ١٧ / ٢٣ ـ ٢٤]. ونكّر كلمة (حُسْناً) ليدل على الكمال.
ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما في مقابلة إحسانهما ، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق ، فإنه وإن حرصا على أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين ، فلا تطعهما في ذلك ، في دعوتهما إلى الاعتقاد فيما ليس معلوما لك ؛ إذ كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والحاكم عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». وإذا كان لا يصح اتباع ما ليس معلوما ثبوته ، فلا يجوز اتباع ما علم بطلانه بالأولى ، وهذا دليل على أن متابعتهم في الكفر لا تجوز.
والسبب مرجعكم جميعا إلى يوم القيامة ، المؤمن والكافر ، والبار بوالديه والعاق لهما ، فأجازيكم على أعمالكم ، المحسن بإحسانه وصبره على دينه ، والمسيء بإساءته ، لذا قال محرضا على الصلاح والإيمان :