تعلموا أيضا تفريطكم في الماضي بأخيكم يوسف وإضاعته عن أبيكم ، مما جعله رهين الحزن والأسى عليه؟!
(فَلَنْ أَبْرَحَ ...) فلن أغادر أرض مصر أبدا ، وأترك بنيامين فيها ، حتى يأذن لي أبي في العودة إليه ، أو يحكم الله لي بأن يمكنني من أخذ أخي أو بالخروج من مصر ، وهو خير الحاكمين ، فلا يحكم أبدا إلا بالحق والعدل.
هذا قراره الشخصي ، وأما رأيه فيما يقولون لأبيهم فهو (ارْجِعُوا ..) أي عودوا إلى أبيكم وقولوا له : يا أبانا إن ابنك سرق صواع الملك ، فاسترقه العزيز القائم بأمر الحكم في مصر ، على وفق شريعتنا التي أخبرناه بها ، وما شهدنا عليه بالسرقة إلا بما علمناه وشاهدنا من إخراج الصواع من وعاء بنيامين ، وما كنا للغيب حافظين ، أي وما علمنا أنه سيسرق ويسترق حين أعطيناك الموثق ، أو ما علمنا أنك تصاب به كما أصبت بيوسف ، وفي الجملة : حقيقة الحال غير معلومة لنا ، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى.
(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ..) أي واسأل يا أبانا عما حدث أهل القرية التي كنا فيها وهي مصر ، فقد اشتهر أمر هذه السرقة فيهم ، واسأل أصحاب العير الذين كانوا يأتون بالميرة (الطعام) معنا. وهذا مبالغة منهم في إزالة التهمة عن أنفسهم ، لأنهم مشكوك فيهم ، وكانوا متهمين بسبب واقعة يوسف عليهالسلام. ثم أكدوا صدقهم بقوله : (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما أخبرناك به من أنه سرق ، وأخذوه بسرقته ، وهذا مقال كبيرهم ، ثم ذكر تعالى مقال أبيهم :
(قالَ : بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ ..) أجابهم أبوهم بما يدل على عدم تصديقهم فيما قالوا ، كما أجابهم حين جاؤوا على قميص يوسف بدم كذب : (بَلْ سَوَّلَتْ ..) بل زينت لكم أنفسكم أمرا آخر أردتموه ، وكيدا جديدا فعلتموه؟ وإلا فما أدرى ذلك الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته لولا فتواكم وتعليمكم!