(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) أي والله عالم بما تذكرون وما تصفونه به.
وهذا من قبيل الإضمار قبل الذكر ، وهو كثير في اللغة والقرآن والحديث.
ثم استعطفوه واستشفعوا لديه لعله يأخذ أحدهم مكانه ، فالفداء أو العفو أيضا جائز في شرعهم : (قالُوا : يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) أي قالوا : يا أيها العزيز ، إن له أبا شيخا هرما متعلقا به ، فهو يحبه حبا شديدا ، ويتسلى به عن ولده الذي فقده ، أو هو كبير القدر والمقام جدير بالرعاية والمجاملة والعناية.
فخذ أحدا منا بدله ، يكون عندك عوضا عنه ، إنا نراك من المحسنين لنا في ميرتنا وضيافتنا ، أو من العادلين المنصفين ، القابلين للخير ، أو من عادتك الإحسان مطلقا ، فأحسن إلينا.
فأجابهم : (قالَ : مَعاذَ اللهِ ..) أي نعوذ بالله معاذا أو نستعيذ بالله أن نأخذ غير من وجدنا الصواع عنده ، كما قلتم واعترفتم ، ولم يقل : إلا من سرق ، تحاشيا للكذب ، إنا إذا أخذنا غيره كان ذلك ظلما في مذهبكم ، فهو أخذ بريء بمتهم ، فلم تطلبون ما عرفتم أنه ظلم. والمقصود الحقيقي من هذا الكلام بيان أن الله أمرني وأوحى إلي بأخذ بنيامين واحتباسه لمصلحة في ذلك ، فلو أخذت غير من أمرني بأخذه ، كنت ظالما وعاملا على خلاف الوحي. وهو رد قوي لهم ، متضمن الاستعاذة من رأيهم ، لأنه ظلم. ثم جاء دور حوارهم مع بعضهم.
(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا ..) أي فلما يئس إخوة يوسف من إطلاق سراح أخيهم بنيامين الذي التزموا لأبيهم برده إليه ، وعاهدوا على ذلك ، انفردوا عن الناس يتناجون فيما بينهم ويتشاورون في أمرهم. قال كبيرهم في السن أو في العقل والرأي وهو روبيل أو يهوذا الذي أشار بإلقائه في البئر عند ما هموا بقتله : إن هذا الأمر عظيم ، ألم تذكروا أخذ أبيكم موثقكم لتردّنه إليه ، إلا أن يحاط بكم ، وألم