وقادر على التعذيب المؤجل ، كما يفعل الهلاك المعجل ، وذلك في كتاب الله كثير ، ولكنكم لم تعتبروا ولم تتعظوا ، فلم يكن فيما أوقعنا بهم لكم مزدجر ، فكيف تطلبون العودة والتأخير للتوبة؟! وقد فات الأوان.
ثم بيّن الله تعالى تشابه أحوالهم مع أحوال السابقين ، فقال : (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) أي إن هؤلاء الذين سكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم لم تتغير حالهم عن حال من سبقهم ، فإنهم مكروا مكرهم جهد طاقتهم في إبطال الحق وتقرير الباطل ، (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أي وعند الله العلم بمكرهم ، أو جزاؤهم ، فكل شيء معلوم منهم ، ومكتوب ومسجل عليهم ، وسيجازيهم عليه الجزاء العادل ، ويحاسبهم الحساب الشديد.
ثم ذكر الله تعالى وقت انتقامه فقال : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ ..) أي إن الله تعالى ذو انتقام من أعدائه ، ووعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض ، فتصبح على غير الصفة المألوفة المعروفة ، وتبدل أيضا السموات غير السموات ، أما (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) [نوح ٧١ / ٢٢] فمحال أن تزول الجبال بمكرهم ، والمراد بالجبال آيات الله وشرائعه ؛ لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتا وتمكنا ، فهذا الذي فعلوه بأنفسهم من شركهم بالله وكفرهم به ، ما ضر ذلك شيئا من الجبال ولا غيرها ، وإنما ضر أنفسهم ، وعاد وبال ذلك عليهم. والمقصود تصغير مكرهم وتحقيره وتهوينه ، فليس من شأنه إزالة الآيات وإبطال النبوات الثابتة ثبوت الجبال ، والجبال لا تزول ، ولكن العبارة مجاز عن تعظيم الشيء ووصفه كيف يكون.
وإذا كان الأمر كذلك فلا تحسبن أيها الرسول أن الله مخلف رسله وعده ، بل هو منجز لهم ما وعدهم به ، والمراد تثبيت أمته على الثقة بوعد ربه بنصرهم وتعذيب الظالمين ، كما قال : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ، إِنَّ اللهَ قَوِيٌ