ووقت حصول هذه الأوصاف عند المحاسبة ؛ لأنه تعالى ذكر هذه الصفات عقب وصف ذلك اليوم بأنه يوم يقوم الحساب.
ثم ذكر تعالى مقالة هؤلاء المعذبين حين رؤية الهول ، فقال : (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ ..).
أي وخوّف أيها النبي الناس جميعا من أهوال عذاب يوم القيامة ، حين يقول الذين ظلموا أنفسهم عند معاينة العذاب هلعا وجزعا : (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) أي ردنا إلى الدنيا ، وأمهلنا إلى وقت آخر قريب العودة إليك ، نتدارك فيه ما فرطنا في الدنيا ، من إجابة دعوتك إلى التوحيد وإخلاص العبادة لك ، واتباع رسلك فيما أرسلتهم به ، مثل قوله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون ٦٣ / ١٠] وكقوله : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ : رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ..) [المؤمنون ٢٣ / ٩٩ ـ ١٠٠].
فرد الله تعالى عليهم موبخا لهم بقوله : (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ ..) أي أو لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحالة حينما كنتم في الدنيا : أنكم إذا متم لا زوال لكم عما أنتم فيه ، وأنه لا معاد ولا جزاء ، أي كنتم تنكرون البعث والحساب ، وتزعمون أنه لا انتقال لحياة أخرى ، كقوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ، لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) [النحل ١٦ / ٣٨] فذوقوا هذا العذاب بذلك الإنكار.
(وَسَكَنْتُمْ ..) أي والحال أنكم أقمتم في الظلم والفساد ، وصاحبتم الظالمين لأنفسهم ، وسرتم سيرتهم ، بالرغم من أنه تبين لكم ، ورأيتم ما فعلنا بهم من الإهلاك والعقاب لتكذيبهم وجحودهم وصدودهم عن دعوة الحق ، وعاينتم آثار عذابهم ، وظهر لكم أن عاقبتهم آلت إلى الوبال والخزي والنكال ، وضربنا لكم الأمثال ، وهو ما أورده الله في القرآن مما يعلم به أنه قادر على الإعادة ، كما قدر على الابتداء ،