وبعد أن أمر الله تعالى بالاستقامة ، نهى عن ضدّها وهو الطّغيان ، أي البغي وتجاوز حدود الله ، فإنه مزلقة إلى الهلاك ، فقال تعالى : (وَلا تَطْغَوْا).
ثمّ حذّر الله تعالى من المخالفة ، فقال : (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي إنه تعالى بصير بأعمال العباد ، لا يغفل عن شيء ، ولا يخفى عليه شيء ، فيجازي عليها.
والدّعوة إلى الاستقامة وتجنّب الطّغيان هو هدف القرآن الكريم المتكرر فيه ، فقال تعالى : (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ، وَقُلْ : آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ ، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ، اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ ، لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ ، لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ ، اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى ٤٢ / ١٥].
ثم نبّه الله تعالى إلى خطر الميل مع الظالمين ، فقال : (وَلا تَرْكَنُوا ..) أي ولا تميلوا إلى الظالمين بمودة أو مداهنة أو رضى بأعمالهم ، أو استعانة بهم ، أو اعتماد عليهم ، فتصيبكم النّار بركونكم إليهم ، فالرّكون إلى الظّالمين ظلم ، وليس لكم من غير الله أنصار أبدا ينفعونكم ، ويمنعون العذاب عنكم ، ثم لا ينصركم الله ، أي لا تجدون من ينصركم من تلك الواقعة ؛ لأنه تعالى لا ينصر الظّالمين : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) [البقرة ٢ / ٢٧٠] ، (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) [الحجّ ٢٢ / ٧١ ، فاطر ٣٥ / ٣٧].
والآية تدلّ على عاقبة الرّكون ، وعلى أن الميل إلى الظّالمين موقع عادة في الظّلم ، ومزلقة تستدعي إقرارهم على ما يفعلون ، والرّضى بما هم عليه من الظّلم ، واستحسان طريقتهم ، وتزيينها عندهم وعند غيرهم ، ومشاركتهم في أعمالهم الظّالمة. قال البيضاوي : ولعل الآية أبلغ ما يتصوّر في النّهي عن الظّلم والتّهديد عليه.
وإذا كان الرّكون إلى الظّلم موجبا عذاب النّار ، فكيف يكون حال الظّالم في نفسه؟!