وقوله تعالى : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) قال الحسن ومقاتل وعطاء : الإشارة إلى الاختلاف ، أي وللاختلاف خلقهم. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضّحّاك : ولرحمته خلقهم. واختار الطّبري وتابعه القرطبي : الإشارة بذلك للاختلاف والرّحمة ، وهو أولى في تقديري ؛ لأنه يعمّ ، أي ولما ذكر خلقهم. ولام (وَلِذلِكَ) للعاقبة والصّيرورة كما بيّنا.
والقول بعموم إشارة (وَلِذلِكَ) أشار إليه مالك رحمهالله ؛ قال أشهب : سألت مالكا عن هذه الآية قال : خلقهم ليكون فريق في الجنّة ، وفريق في السّعير ، أي خلق أهل الاختلاف للاختلاف ، وأهل الرّحمة للرّحمة. وقال ابن عباس أيضا كما تقدّم : خلقهم فريقين : فريقا يرحمه وفريقا لا يرحمه.
٧ ـ استدلّ أهل السّنّة بآية : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) على أنّ الهداية والإيمان لا تحصل إلا بتخليق الله تعالى ؛ لأن تلك الرّحمة ليست عبارة عن إعطاء القدرة والعقل ، وإرسال الرّسل ، وإنزال الكتب ، وإزالة العذر ، فإن كلّ ذلك حاصل في حقّ الكفار ، فلم يبق إلا أن يقال : تلك الرّحمة هو أنه سبحانه خلق فيه تلك الهداية والمعرفة (١).
٨ ـ مما ثبت في الأزل وأخبر تعالى عنه وقدر أنه يملأ ناره ، ويملأ جنّته ، فقال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ..) ، وأخرج البخاري عن أبي هريرة أنّ النّبيصلىاللهعليهوسلم قال عن الجنّة والنّار : «ولكلّ واحدة ملؤها».
__________________
(١) تفسير الرّازي : ١٨ / ٧٧ ـ ٧٨