وقد أثنى الله ورسوله على المهاجرين والأنصار ، في غير ما آية في كتابه ، لتضامنهم وتناصرهم ، فقال : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ) [التوبة ٩ / ١٠٠] وقال تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) [التوبة ٩ / ١١٧] وقال عزوجل : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ، أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا ، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ ، وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) [الحشر ٥٩ / ٨ ـ ٩] أي لا يحسدونهم على فضل ما أعطاهم الله على هجرتهم.
وظاهر الآيات تقديم المهاجرين على الأنصار ، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء لا يختلفون في ذلك ، كما ذكر ابن كثير. ولهذا روى أبو بكر البزار في مسنده عن حذيفة قال : خيرني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين الهجرة والنصرة ، فاخترت الهجرة».
وأما الصنف الثالث وهم المؤمنون الذين لم يهاجروا فقد ذكرهم الله بقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ، ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) أي أن الذين صدّقوا برسالة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يهاجروا من مكة إلى المدينة ، وظلوا مقيمين في أرض الشرك تحت سلطان المشركين أي في دار الحرب والشرك ، لا يثبت لهم شيء من ولاية (نصرة) المؤمنين الذين في دار الإسلام. أما من أسره الكفار من أهل دار الإسلام ، فله حكم أهل هذه الدار. إن الولاية منقطعة بين أهل الدارين إلا في حالة واحدة ذكرها تعالى بقوله : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ ...) وهي مناصرتهم على الكفار إذا قاتلوهم أو اضطهدوهم لأجل دينهم ، إلا إذا كان هؤلاء الكفار معاهدين ، فيجب الوفاء بعهدهم ؛ لأن الإسلام لا يبيح الغدر والخيانة بنقض