التفسير والبيان :
يخبر الله تعالى عن فزع المنافقين وهلعهم أنهم يحلفون بالله يمينا مؤكدة : إنهم لمنكم أي لمن جملة المسلمين أهل الملة والدين ، وما هم منكم في نفس الأمر فليسوا على دينكم ، بل هم أهل شك ونفاق ، ولكنهم قوم يخافونكم فيحلفون ، فالخوف من القتل هو الذي حملهم على الحلف ، فأظهروا الإيمان وأسروا النفاق ، وهو كقوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا : آمَنَّا ، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا : إِنَّا مَعَكُمْ ، إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) [البقرة ٢ / ١٤].
ومن مظاهر خوفهم أنهم يتمنون الفرار منكم والمعيشة بعيدا عنكم ، فلو وجدوا مفرا يتحصنون فيه آمنين على أنفسهم منكم ، لفروا إليه ولفارقوكم.
ولو وجدوا ملجأ ، أي مكانا يتحصن فيه ، أو مغارة أي كهفا في الجبال ، أو مدّخلا أي سربا تحت الأرض كالآبار والقنوات ، لولّوا إليه أي رجعوا إليه من أحد هذه المواضع مع أنها شر الأمكنة ، وهم يجمحون أي يسرعون إسراعا في ذهابهم عنكم على نحو لا يقاوم ؛ لأنهم إنما يعيشون معكم كرها لا محبة وودا ، ولكن للضرورة أحكام. ولهذا لا يزالون في همّ وحزن وغم ؛ لأن الإسلام وأهله في تقدم ورفعة ، وعز ونصر ، وذلك كله يسوؤهم.
ومن المنافقين من يعيب عليك ويطعن بك يا محمد في قسمة الصدقات وهي إما المغانم أو أخذ الصدقات من الأغنياء وهي أموال الزكاة المفروضة ، قيل : هم المؤلفة قلوبهم كان يعطيهم النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم للتأليف ، وقيل : هو ابن ذي الخويصرة رأس الخوارج ، كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقسم غنائم حنين ، فقال : اعدل يا رسول الله ، فقال صلوات الله وسلامه عليه : ويلك إن لم أعدل فمن يعدل؟!.
وقيل : هو أبو الجوّاط من المنافقين قال : ألا ترون إلى صاحبكم؟ إنما يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم ، وهو يزعم أنه يعدل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :