المهاجرين إليها بالحماية والتكريم ، هربا من أذى المشركين ، ورد هرقل ملك الروم النصارى كتاب النبي صلىاللهعليهوسلم ردا حسنا ، بعد أن حاول إقناع رعيته بقبول الإسلام ، وكان المقوقس عظيم القبط في مصر أحسن منه ردا ، فأرسل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم هدية ، وبعد فتح مصر والشام أسلم كثير من النصارى في تلك البلاد ، لما رأوا في الإسلام من مزايا ، وأسلم أصحمة النجاشي ملك الحبشة مع بطانته ، ولما مات صلّى عليه النبي صلىاللهعليهوسلم صلاة الجنازة على الغائب ونعاه للناس.
وكان سبب مودة النصارى للمؤمنين : أنه يوجد فيهم قسيسون (علماء) ورهبان (عبّاد) يدعون للإيمان والفضيلة والتواضع ، والزهد والتقشف ، ولا يستكبرون عن سماع الحق والإنصاف وينقادون له ، فوصفهم الله بالعلم والعبادة والتواضع ، ثم وصفهم بالانقياد للحق واتّباعه ، والإنصاف.
وإذا سمعوا شيئا من القرآن المنزل على الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم ، بكوا بكاء حارا غزيرا تعاطفا مع كلام الله ، وما عرفوا من الحق ، مما عندهم من البشارة ببعثة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ثم يبادرون لقبول دعوة الإيمان قائلين : ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ، والمراد به إنشاء الإيمان والدخول فيه أي آمنا بك وبرسلك وبمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فاكتبنا مع من يشهد بصحة هذا المنزل على الأنبياء ومنهم محمد صلىاللهعليهوسلم ، ويشهد لك بالوحدانية. وروى ابن مردويه وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس في قوله : (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) أي مع محمد صلىاللهعليهوسلم وأمته الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة ، كما قال تعالى في خصائص أمة المصطفى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة ٢ / ١٤٣].
ثم أكدوا قولهم فقالوا : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ ..) إنكار استبعاد أي ولا مانع يمنعنا من الإيمان بالله ، واتباع الحق الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، ونطمع أن يدخلنا ربنا الجنة بصحبة الصالحين أتباع هذا النبي الكريم الذين ثبت لنا صلاحهم وصحة إيمانهم.