وقد نقلت أقوال في تفسير الخبيث والطيب ، فقيل : الحلال والحرام ، وقيل : المؤمن والكافر ، وقيل : الرديء والجيد ، والصحيح كما قال القرطبي : أن اللفظ عام في جميع الأمور ، يتصّور في المكاسب والأعمال ، والناس ، والمعارف من العلوم وغيرها ، فالخبيث من هذا كله لا يفلح ولا ينجب ، ولا تحسن له عاقبة وإن كثر ، والطيب وإن قل نافع جميل العاقبة. قال الله تعالى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ، وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) [الأعراف ٧ / ٥٨].
وقد استنبط علماء المالكية حكما طريفا من الآية (لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) وهو أن البيع الفاسد يفسخ ولا يمضى بحوالة سوق ، ولا بتغير بدن أي ببيع المبيع إلى آخر ، ويرد الثمن على المشتري إن كان قبضه البائع ، وإن تلف في يده ضمنه ؛ لأنه لم يقبضه على الأمانة ، وإنما قبضه بشبهة عقد ، ويؤيد ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم فيما رواه أحمد ومسلم عن عائشة : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».
وتطبيقات هذا المبدأ كثيرة في الفقه ، منها : إذا بنى الغاصب في البقعة المغصوبة أو غرس ، فإنه يلزمه قلع ذلك البناء والغرس ، لأنه خبيث ، ثم ردّها على صاحبها ؛ خلافا لقول أبي حنيفة : لا يقلع ويأخذ صاحبها القيمة. وهذا يرده قوله صلىاللهعليهوسلم فيما رواه أبو داود عن عروة بن الزبير : «ليس لعرق ظالم حق» والعرق الظالم : أن يغرس الرجل في أرض غيره ، ليستحقها بذلك.
والخطاب في قوله : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) للنّبي صلىاللهعليهوسلم ، والمراد أمته ، فإن النّبي صلىاللهعليهوسلم لا يعجبه الخبيث.