المناسبة :
قال الرازي : وجه اتصال هذه الآية بما قبلها : هو أن الله تعالى حرم في الآية المتقدمة الاصطياد على المحرم ، فبين أن الحرم كما أنه سبب لأمن الوحش والطير ، فكذلك هو سبب لأمن الناس من الآفات والمخاوف ، وسبب لحصول الخيرات والسعادات في الدنيا والآخرة (١).
التفسير والبيان :
صيّر الله الكعبة التي هي البيت الحرام لتكون سببا لقوام الناس في إصلاح أمورهم دينا ودنيا ، حيث جعله الله مثابة للناس وأمنا ، فيه يأمن الخائف وينجو اللاجئ : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت ٢٩ / ٦٧] ، وبه يطعم البائس الفقير بجعل مناسك الحج سببا لعمارة واد غير ذي زرع ، وإلا لما أقام فيه أحد ، وقد جعل الله الدعاء فيه مقبولا ، والحسنات فيه مضاعفة لتشتد رغبة الناس فيه ، كما أن اجتماع الناس من أقطار بعيدة فيه يحقق منافع دنيوية كثيرة لا تحققها المؤتمرات الحالية ، وكذلك تحقق أعمال الحج منافع : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) دينية بالتجرد عن مظاهر الدنيا ، والتقرب إلى الله ، واتقاء محظوراته ، والمبادرة إلى امتثال أمره ، وتذكر أهوال المحشر بالتجرد والاجتماع ، والوقوف بين يدي الله ، فتشتد الخشية ويعظم الخوف ، ويحظى الناس بالخير والسعادة ، والراحة والطمأنينة. قال سعيد بن جبير : «من أتى هذا البيت يريد شيئا للدنيا والآخرة ، أصابه».
وقال ابن زيد في هذه الآية التي جعل الله فيها هذه الأربعة قياما للناس : كان الناس كلهم فيهم ملوك يدفع بعضهم عن بعض ، ولم يكن في العرب ملوك يدفع بعضهم عن بعض ، فجعل الله تعالى لهم البيت الحرام قياما يدفع بعضهم عن
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٢ / ٩٩ ، ط بيروت.