كتابا إلى النجاشي ، فقدم على النجاشي ، فقرأ كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه ، وأرسل إلى الرهبان والقسيسين ، ثم أمر جعفر بن أبي طالب ، فقرأ عليهم سورة مريم ، فآمنوا بالقرآن ، وفاضت أعينهم من الدمع ، فهم الذين أنزل الله فيهم : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً) إلى قوله : (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ).
وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : بعث النجاشي ثلاثين رجلا من خيار أصحابه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقرأ عليهم سورة يس ، فبكوا وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى فنزلت فيهم الآية.
وأخرج النسائي عن عبد الله بن الزبير قال : نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ..) وروى الطبراني عن ابن عباس نحوه (١). قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسدي : المراد به النجاشي وقومه الذين قدموا من الحبشة على الرسول صلىاللهعليهوسلم وآمنوا به.
قال الطبري : والصواب في ذلك من القول عندي : أن الله تعالى وصف صفة قوم قالوا : إنا نصارى : أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم يجدهم أقرب الناس ودادا لأهل الإيمان بالله ورسوله ، ولم يسمّ لنا أسماءهم. وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحاب النجاشي ، ويجوز أن يكون أريد به قوم كانوا على شريعة عيسى ، فأدركهم الإسلام ، فأسلموا لما سمعوا القرآن ، وعرفوا أنه الحق ، ولم يستكبروا عنه (٢).
المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى أحوال أهل الكتاب ، فأوضح مخازي اليهود وعيوبهم ، ومن أهمها قولهم : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة ٥ / ٦٤] ، (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ) [آل
__________________
(١) أسباب النزول للسيوطي ، أسباب النزول للواحدي.
(٢) تفسير الطبري : ٧ / ٣.