ثم رخص الشرع فخيّر بين ذبح الهدي أو إطعام المساكين أو الصيام ، فقال تعالى : (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) أي إن قاتل الصيد مخير بين الالتزام بمماثل من النعم ، أو بإخراج كفارة هي طعام مساكين لكل مسكين مد بقدر قيمة الصيد. أو بما يعادل ذلك الطعام من الصيام. والقول بالتخيير هو المقرر في المذاهب الأربعة ، لظاهر (أَوْ) التي هي للتخيير ، لكن التخيير في رأي الحنفية محصور بالقيمة ، فيخير المحكوم عليه بالقيمة : إن شاء اشترى بها هديا فذبح بمكة ، وإن شاء اشترى بها طعاما ، فتصدق به على كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير ، وإن شاء صام يوما عن كل من نصف صاع البر أو صاع التمر والشعير ، والحكمان في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف : يقدران قيمة الجزاء من هدي أو طعام أو صيام ، وقاتل الصيد مخير بفعل أي خصلة. وقال محمد بن الحسن والشافعي : بل الخيار للحكمين ، ومتى حكما بشيء التزمه القاتل.
والمراد من الكعبة : الحرم ، وإنما خصت بالذكر للتعظيم ، فلو ذبح الهدي في غير الحرم كان إطعاما ، والإطعام يجوز في الحرم وفي غيره. ويرى الشافعي أن الإطعام يكون في الحرم كالهدي. وهذا لم تتعرض له الآية.
وعلل تعالى إيجاب الجزاء بقوله : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) أي شرعنا الجزاء على قتل الصيد ليذوق القاتل وبال أمره أي ثقل فعله وسوء عاقبة أمره وهتكه لحرمة الإحرام.
والماضي معفو عنه : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) أي لم يجعل إثما فيما وقع منكم في الجاهلية أو قبل هذا التحريم من قتل الصيد في حال الإحرام ، ولم يؤاخذكم عليه.
ولكن (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) أي ومن عاد إلى قتل الصيد وهو محرم بعد هذا النهي ، فإن الله ينتقم منه في الآخرة لإصراره على المخالفة والذنب.