لكن جاء قوله تعالى : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) فأباح صيد البحر مطلقا.
ثم بيّن الله تعالى جزاء صيد الإحرام حال القتل العمد فقال : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ ...) أي ومن قتل شيئا من الصيد وهو محرم ، متعمدا قتله ، فعليه جزاء من الأنعام ، مماثل لما قتله في الهيئة والصورة إن وجد ، وإن لم يوجد المثيل فتجب القيمة.
والمماثل للنعامة بدنة (ناقة) ولحمار الوحش بقرة ، وللظبي شاة ، وفي الطير قيمته ، إلا حمام مكة ، فإن في الحمامة شاة ، اتباعا للسلف في ذلك. روى الدارقطني عن جابر عن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «في الضبع إذا أصابه المحرم كبش ، وفي الظبي شاة ، وفي الأرنب عناق ، وفي اليربوع جفرة (١)».
ويلاحظ أن ظاهر الآية ترتيب الجزاء على القتل العمد ، لكن يرى الجمهور غير أحمد أن الجزاء يترتب على قتل الصيد مطلقا ، سواء تعمد القاتل قتله أو أخطأ فيه ، وسواء كان متذكرا إحرامه أم ناسيا ، عملا بالثابت في السنة النبوية. وإنما خص العمد بالبيان القرآني لأجل أن يرتب عليه الانتقام عند العود ، لأن العمد هو الذي يترتب عليه ذلك ، دون الخطأ. ويرى أحمد في رواية عنه : أنه لا شيء على المخطئ والناسي ، لأنه لما خصّ تعالى المتعمد بالذكر ، دل على أن غيره بخلافه.
والمراد بالمثل في رأي ابن عباس ومالك والشافعي ومحمد بن الحسن والإمامية : هو النظير ، لأن الله أوجب مثل المقتول مقيدا بكونه من النّعم ، فلا بد أن يكون الجزاء مثلا من النعم ، وذلك لا يكون إلا بأن يكون من الحيوانات
__________________
(١) العناق : الأنثى من ولد المعز قبل بلوغ السنة ، والجفرة : الأنثى من ولد الضأن البالغة أربعة أشهر.