خالفتم فما على الرسول إلا البلاغ في تحريم ما أمر بتحريمه ، وعلى المرسل أن يعاقب أو يثيب بحسب ما يعصى أو يطاع.
١١ ـ دلت آية (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) على أن من فعل ما أبيح له حتى مات على فعله ، لم يكن له ولا عليه شيء ، لا إثم ولا مؤاخذة ولا ذم ولا أجر ولا مدح ؛ لأن المباح مستوي الطرفين بالنسبة إلى الشرع ، فلا حاجة للتخوف ولا للسؤال عن حال من مات ، والخمر في بطنه وقت إباحتها. وهذه الآية نظير سؤالهم عمن مات إلى القبلة الأولى ، فنزلت : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ).
١٢ ـ دل حديث البخاري المتقدم عن أنس في سبب نزول هذه الآية المتضمن أن الخمر كان من الفضيخ (المتخذ من البسر) : على أن نبيذ التمر إذا أسكر خمر ، وهو نص ولا يجوز الاعتراض عليه ؛ لأن الصحابة رحمهمالله هم أهل اللسان ، وقد عقلوا أن شرابهم ذلك خمر ؛ إذ لم يكن لهم شراب ذلك الوقت بالمدينة غيره.
١٣ ـ ذهب جمهور العلماء من السلف وغيرهم إلى أن كل ما يسكر نوعه ، حرم شربه ، قليلا كان أو كثيرا ، نيئا كان أو مطبوخا ، ولا فرق بين المستخرج من العنب أو غيره ، وأن من شرب شيئا من ذلك حدّ. فأما المستخرج من العنب ، المسكر النيء : فهو الذي انعقد الإجماع على تحريم قليله وكثيره ، ولو نقطة منه. وأما ما عدا ذلك فالجمهور على تحريمه. وخالف أبو حنيفة وأبو يوسف في القليل مما عدا ما ذكر ، وهو الذي لا يبلغ الإسكار ، وفي المطبوخ المستخرج من العنب ، فأباحا القليل غير المسكر. والمعتمد في الفتوى هو رأي محمد رحمهالله بتحريم القليل والكثير من كل مسكر ، للحديث المتقدم الذي رواه النسائي وابن ماجه وغيرهما عن ابن عمرو : «ما أسكر كثيره فقليله حرام». واتفق الحنفية على أن الحد في غير الخمر لا يجب إلا بالإسكار.