الأنصار شربوا الخمر وانتشوا ، فعبث بعضهم ببعض ، فلما صحوا ، ورأى بعضهم في وجه بعض آثار ما فعلوا ، وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن ، فجعل الرجل يقول : لو كان أخي بي رحيما ما فعل هذا بي ، فحدثت بينهم الضغائن ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ) الآية. ولم يذكر في القرآن تعليل الأحكام الشرعية إلا بإيجاز ، أما هنا فإنه فصل في بيان الحكمة أو العلة ، فذكر ثلاث حكم ، ودل على تحريم الخمر والميسر بأكثر من دلالة ليشير إلى ضررهما وخطرهما.
ثم آكد الله تعالى التحريم وشدد في الوعيد ، فقال : (وَأَطِيعُوا اللهَ ، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، وَاحْذَرُوا) أي أطيعوا كل ما جاء عن الله والرسول من اجتناب الخمر والميسر وغيرهما من سائر المحرمات ، واحذروا ما يصيبكم إذا خالفتم أمرهما من فتنة ووقوع في المهالك في الدنيا ، وعذاب في الآخرة ؛ إذ لم يحرم الله شيئا إلا لضرره الواضح ، كما قال تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [النور ٢٤ / ٦٣].
(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي فإن أعرضتم ولم تعملوا بما أمرتم به ، فإن رسول الله بلغكم ، فانقطعت حجتكم ، ومن أنذر فقد أعذر ، ولم يعد لكم مطمع في التعلل والاعتذار.
ثم أبان الله تعالى حكم الذين ماتوا قبل تحريم الخمر وهم يشربونها فقال : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا ...) أي ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات كمن مات قبل تحريم الخمر والميسر كحمزة ، ولا على الأحياء الباقين في الحياة الذين شربوا الخمر وأكلوا الميسر قبل التحريم مثل عبد الله بن مسعود إثم ومؤاخذة ؛ إذ ليس للتشريع ولا للقانون أثر رجعي ، إذا ما اتقوا الله ، وآمنوا بما أنزل من الأحكام ، وعملوا الصالحات التي شرعت فيما مضى كالصلاة والصيام وغيرهما ، ثم اتقوا ما حرّم عليهم بعدئذ ، وآمنوا بما أنزل ، ثم استمروا على التقوى والإحسان وعمل الصالح من الأفعال ، والله يحب المحسنين ويثيبهم على إحسانهم وإخلاصهم وإتقانهم عملهم.