أحبارهم (علمائهم) في مسألة ، أظهر منها ما يتفق مع هواه ، وأخفى كثيرا من أحكام الكتاب ، والسبب أن الكتاب محجور عليه بأيديهم ، ولم يكن في أيدي العامة نسخ منه ، وهذا الإخفاء محصور فيما تذكروه ، لا ما نسيه متقدمو اليهود من الكتاب بضياعه عند تخريب بيت المقدس ، وإجلاء اليهود إلى العراق ، وهو ما أشار إليه تعالى بقوله : (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) [المائدة ٥ / ١٣] ثم كرر ذلك في الآية التالية بعدها فقال : (فَنَسُوا حَظًّا) وقد كتموا صفة النّبي صلىاللهعليهوسلم ، والبشارة به ، وحكم الزنى وهو الرجم.
فأنتم أيها المشركون لا تثقوا بأقوال اليهود أشد أعداء النّبي صلىاللهعليهوسلم.
وهذا المعنى منسجم مع قراءة يجعلونه بالياء ، أما على قراءة (تَجْعَلُونَهُ) بالتاء ، فيكون الله قد أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يقرأ هذه الآية على اليهود وغيرهم بالخطاب لهم.
قال مجاهد : قوله تعالى : (قُلْ : مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) خطاب للمشركين ، وقوله : (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ) لليهود ، وقوله : (وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا ...) للمسلمين.
قال القرطبي : وهذا يصح على قراءة من قرأ يجعلونه قراطيس بالياء. والوجه على قراءة التاء أن يكون كله لليهود ، ويكون معنى (وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا) على وجه المنّ عليهم بإنزال التوراة.
والخلاصة : أن الآية (قُلْ : مَنْ أَنْزَلَ ..) إن كانت واردة في حق قريش ، فيمكن جعل أولها فيهم ، وآخرها في اليهود ، على قراءة الياء يجعلونه. وأما على قراءة التاء فلا تفهم إلا بجعلها كلها لليهود.
وقوله : (وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ) الخطاب : إما في حق العرب ، كما قال مجاهد : هذا خطاب للعرب ، وفي رواية عنه : للمسلمين ، ومآلهم