الإلهي ، والاهتداء بهدي الأنبياء والمرسلين ، لإحراز السعادة الأبدية ، وتحقيق الرقي الإنساني مادة ومعنى ، فقد كان البشر البدائيون فوضى ، والعالم يئن من الاضطراب والقلق ، فكانت رسالة الرسل أداة تنظيم المجتمع ، وواسطة الرقي ، وسبيل الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي ، والحد من غطرسة الحاكم وظلم الفرد والجماعة ، فمن أنكر رسالة الرسل ما عرف الله حق المعرفة ، ولا قدرة حق قدره.
ثم ذكر الله الدليل الحسي على منكري الوحي والرسالة من مشركي قريش ، وأمر الله نبيه محمدا أن يقول لهم : من أنزل كتاب التوراة على موسى بن عمران ، الذي كان نورا بدد الظلام ، وهدى للناس الذين أخرجهم من الضلال إلى نور الحق ، وصاروا خلقا آخر بسبب الاهتداء بهدي الله ، وأنتم تعترفون بالتوراة إذ قلتم : (لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) [الأنعام ٦ / ١٥٧].
وقوله : (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) هذا لليهود الذين أخفوا صفة النّبي صلىاللهعليهوسلم وغيرها من الأحكام ، والمعنى : تجعلون جملتها قراطيس أي قطعا تكتبونها من الكتاب الأصلي الذي بأيديكم ، وتحرفون منها ما تحرفون ، وتبدلون منها ما تبدلون ، وتقولون : هذا من عند الله ، أي في كتابه المنزل ، وما هو من عند الله.
وإذا جرينا على أن الأصح في سبب نزول هذه الآية وهو كونها في مشركي قريش ، فيظهر إشكال ، إذ كيف يكون الخطاب في أول الآية : (قُلْ : مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ) لقريش ، ونهايتها (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ) لليهود؟
والجواب : إذا كان سبب النزول هو اليهود ، فأول الآية وآخرها فيهم ، وإذا كان سبب النزول هو مشركي قريش ، فتأويل الآية : من أنزل التوراة على موسى نورا وهدى للناس ، وقد كانت كذلك حتى غيروها وحرّفوها ، ونسوا حظا كثيرا منها ، وجعلوها قراطيس مقطعة ، يبدونها عند الحاجة ، فإذا استفتي أحد