ذلك الهدى الذي هدى به هؤلاء الأنبياء والمرسلين لإصابة الدين الحق ، هو هدى الله الخالص وتوفيقه ، دون هداية من عداه. والهداية نوعان : إما هداية محضة من الله لا تنال بالسعي والكسب وهي النبوة ، وهي المشار إليها في قوله تعالى لنبيه : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [الضحى ٩٣ / ٧]. وإما هداية تنال بالسعي والكسب مع التوفيق الإلهي لنيل المراد.
ولو أشرك هؤلاء المهتدون بربهم ، مع فضلهم ورفعتهم درجات ، لبطل أجر عملهم كغيرهم في حبوط أعمالهم ، وهو تشديد في أمر الشرك وتغليظ لشأنه ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ : لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ..) [الزمر ٣٩ / ٦٥] وهذا شرط ، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع ، كقوله : (قُلْ : إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزخرف ٤٣ / ٨١] وقوله : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء : ٢١ / ١٧] وقوله : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ ، سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [الزمر ٣٩ / ٤].
أولئك المذكورون ، رسالتهم واحدة وهي الدعوة إلى التوحيد لله تعالى ، وهم الذين آتيناهم الكتاب (أراد جنس الكتاب) : وهو ما ذكر في القرآن من صحف إبراهيم وموسى وزبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى ، وآتيناهم الحكم : أي الحكمة وهي العلم النافع والفقه في الدين ، ويتفرع عنه الحكم والقضاء بين الناس لفصل الخصومات ، والنبوة ، أي جعلناهم أنبياء يوحى إليهم من الله حكمه وأمره ودينه ، وبعضهم أوتي النبوة صبيا كيحيى وعيسى عليهماالسلام ، وبعضهم جمع العطايا الثلاث كإبراهيم وموسى وعيسى وداود ، قال تعالى حكاية عن إبراهيم : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) [الشعراء ٢٦ / ٨٣] وقال حكاية عن موسى : (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً ، وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء ٢٦ / ٢١] وقال عن داود : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ)