على الناس ، فقالوا : يا رسول الله ، أينا لا يظلم نفسه؟ قال : إنه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان ٣١ / ١٣] إنما هو الشرك».
وتلك الحجة القوية التي احتج بها إبراهيم عليهالسلام على قومه من قوله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) إلى قوله : (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) أرشدنا إليها إبراهيم ووفقناه لها ، ليقنع قومه. وهذا يدل على أن الإيمان والكفر لا يحصلان إلا بخلق الله تعالى.
إننا نرفع من شئنا من عبادنا درجات في الدنيا في العلم والحكمة ، وهي درجة الإيمان ، ودرجة العلم ، ودرجة الحكمة والتوفيق ، درجة النبوة ، ما لم يحظ بها غيرهم ، كما قال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ، مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) [البقرة ٢ / ٢٥٣] وفي الآخرة بالجنة والثواب. والمراد من الآية : أنه تعالى رفع درجات إبراهيم بسبب ما آتاه من الحجة.
إن ربك حكيم في قوله وفعله وصنعه ، عليم بشؤون خلقه ، وبمن يهديه ومن يضله ، وإن قامت عليهم الحجج والبراهين ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس ١٠ / ٩٦ ـ ٩٧]. والله يرفع درجات من يشاء بمقتضى الحكمة والعلم ، لا بموجب الشهوة والمجازفة ، فإن أفعال الله منزهة عن العبث والباطل.
ويلاحظ أن معرفة الله تعالى لا تحصل على الوجه الأكمل الصحيح إلا عن طريق الوحي ، وعلم الأنبياء بالوحي بدهي لا نظري ، فقد علّمهم كل ما يحتاجون إليه من الأدلة العقلية والنقلية.