وجملة (لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) توكيد للجملة السابقة.
ثم فصّل تعالى ما أجمل ، وعدّد بعض نواحي العلم التي يحيط بها فقال : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ..) أي يعلم الأشياء المشاهدة لكم ، كما يعلم المغيبات ، فيعلم كل ما هو كائن في البر والبحر ، فعلمه محيط بجميع الموجودات بريها وبحريها ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، ولا مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
ويعلم سقوط أي ورقة من أوراق الشجر في أي مكان وزمان ، في البر والبحر ، ويعلم الحركات حتى من الجمادات ، وبالأولى الحيوانات ، ولا سيما المكلفون منهم من الجن والإنس ، ويعلم الأحوال المتعلقة بالذوات ؛ إذ سقوط الورق حال من الأحوال.
ويعلم ما تسقط من حبة في ظلمات الأرض ، سواء بفعل الإنسان كالزارع ، أو الحيوان كالنمل ، أو بغير فعل الإنسان كالساقط من النبات في شقوق الأرض ، ويعلم ما يسقط من الثمار ، رطبا ويابسا ، حيا وميتا ، وهكذا علم كل الكائنات مكنون ثابت في كتاب واضح لا يمحى هو اللوح المحفوظ ، الذي سجل في كل شيء ، وسجل عدده ووقت وجوده وفنائه. وجعل الكتاب مبينا ؛ لأنه يبين عن صحة ما هو موجود فيه ، قبل أن يخلق الله الخلق ، وهذا قول الزجاج ، كما قال تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) [الحديد ٥٧ / ٢٢]. واختار الرازي وصوب أن الكتاب المبين هو علم الله تعالى لا غير (١).
والخلاصة : أنه تعالى يعلم الغيب والشهادة ، والظاهر والباطن ، والرطب واليابس ، والسر وأخفى وكل شيء في الكائنات ، يعلم بالكليات وبالجزئيات.
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٣ / ١١