وبإرادة وجه الله في أعمالهم. وإن كان الأمر كما يقولون عند الله ، فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر ، وإن كان لهم باطن غير مرض بأن كانوا غير مخلصين ، فحسابهم عليهم لازم لهم لا يتعدّاهم إليك ، كما أن حسابك عليك ، لا يتعدّاك إليهم (١) ، كما قال تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور ٥٢ / ٢١] ، وقال : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدّثر ٧٤ / ٣٨] ، وقال : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام ٦ / ١٦٤ ، الإسراء ١٧ / ١٥ ، فاطر ٣٥ / ١٨ ، الزمر ٣٩ / ٧].
والجملتان وهما (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) بمنزلة جملة واحدة ، ومؤدّاهما واحد ، ولا بدّ منهما جميعا ، كأنه قيل : لا تؤاخذ أنت ، ولا هم بحساب صاحبه.
فلما ذا تطردهم؟ لأن الطّرد جزاء ، والجزاء بعد الحساب والمحاكمة ، والحساب على الله ، وما عليك إلا البلاغ : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية ٨٨ / ٢١ ـ ٢٢].
فإن طردتهم والحالة هذه ، فتكون بطردهم من زمرة الظالمين أنفسهم ، لأن الطّرد ـ كما ذكرت ـ لا يكون إلا بذنب ، والحساب على الذّنب إلى الله ، لا إليك.
والخلاصة : ذكر الله غير المتقين من المسلمين ، وأمر بإنذارهم ليتقوا ، ثم أردفهم ذكر المتقين منهم ، وأمر الله نبيّه بتقريبهم وإكرامهم ، وألا يطيع فيهم من أراد بهم خلاف ذلك.
ثم أوضح الله تعالى أن مقال المشركين في شأن الضعفاء ابتلاء من الله واختبار فقال : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي ابتلينا واختبرنا وامتحنّا بعضهم ببعض ، لتكون العاقبة أن يقول الأقوياء من الكفار في حقّ الضعفاء من المؤمنين : أهؤلاء الصّعاليك من العبيد والموالي والفقراء خصّهم الله بهذه النّعمة
__________________
(١) الكشّاف : ١ / ٥٠٧