لهؤلاء الأقوام : إنما بعثت مبشرا ومنذرا ، وليس لي أن أتحكّم على الله ، ومأمور أن أنفي عن نفسي أمورا ثلاثة : ليس عندي خزائن الله ، ولا أعلم الغيب ، ولست ملكا من الملائكة. والفائدة من نفي هذه الأحوال : إظهار الرّسول تواضعه لله وعبوديته له ، ردّا على اعتقاد النصارى في عيسى عليهالسلام ، وإظهار عجزه عن الإتيان بالمعجزات المادية القاهرة القوية ، فهذا من قدرة الله اللائقة به ، ويعني ذلك أنه لا يدعي الألوهية ولا الملكية.
التفسير والبيان :
كان المشركون يطلبون من النّبي صلىاللهعليهوسلم معجزات ماديّة قاهرة ، جهلا منهم بمهمّة الرّسول ورسالته ، فأنزل الله : قل أيها الرّسول لهؤلاء : لست أملك خزائن الله ولا أقدر على قسمتها وتوزيعها والتّصرّف فيها ، فهذا لله وحده يعطي منها لعباده ما يشاء على وفق الحكمة وضمن قيد الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى النتائج والمسببات.
ولا أقول لكم : إني أعلم الغيب ، فذاك لله عزوجل ، ولا أطّلع منه إلا ما أطلعني عليه ، كما قال : (عالِمُ الْغَيْبِ ، فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [الجن ٧٢ / ٢٦ ـ ٢٧].
ولا أدّعي أني ملك من الملائكة ، إنما أنا بشر من البشر ، يوحى إليّ من الله عزوجل ، فلا أستطيع أن آتي بما لا يقدر عليه البشر.
والمعنى في هذه الأمور الثلاثة : أني لست أدّعي الألوهية ، ولا علم الغيب ، ولا الملكيّة ، حتى تطلبوا مني ما ليس في طاقتي وقدرتي ، إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ القرآن وبيانه ، ولست في هذا مبتدعا ، إنما سبقني إلى الرّسالة رسل كثيرون قبلي.